17:12 - 04 يونيو 2016

الدكتور عبد الرازق ابو عيسى
استاذ الدعوة والثقافة الاسلاميه بجامعة الازهر
لقد كان رسول الله المثل الأعلى في الرفق بالشباب العاصي، فعاملهم معاملة طيبة ، وكان يحنو عليهم ولم يعنفهم، فتركوا المعصية وأحبوا الطاعة عن رغبة وحب، وتحويل حالة العاصي من المعصية إلى الطاعة ، ومن الكفر إلى الإيمان، دون أن ينفر المدعو منه؛ لأنه- – فقه حالة العاصي ، وأنه يشبه المريض الذي يحتاج إلى علاج، بل هو مريض بالفعل ، هذا المريض الذي يحتاج إلى من يخفف عنه آلامه بدون أي جراح أو ألم يحس به ، وأسوق للدعاة اليوم مثلا عمليا للنبي- – مع أحد الشباب العصاة .
عن أبى أمامة أن فتى شاباً أتى النبي – فقال يا رسول الله ، أتأذن لي في الزنـا ؟ قال : فصاح القوم به وقالوا : مه مه ، فقال رسول الله ، ” أتحبه لأمك ” فقال : لا يا رسول الله ، جعلني الله فداك ، فقال رسول الله : ” ولا الناس يحبونه لأمهاتهم ” قال : أفتحبه لابنتك ؟ قال : لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك ، قال : ” ولا الناس يحبونه لبناتهم ” قال : أفتحبه لأختك ؟ ” قال : لا والله يا رسول الله ، جعلني الله فداك ، قال ولا الناس يحبونه لأخواتهم ” فقال : يا رسول الله ، ادع الله لي ، فقال : فوضع رسول الله يده عليه ثم قال : ” اللهم اغفر ذنبه ، وطهر قلبه، وحصن فرجه ” قال : فكان لا يلتفت إلى شيء بعد “. رواه الإمام احمد في مسنده حـديث رقم ـ 22868. وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح . مجمع الزوائد ومنبع الفوائد*للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ج 1ص 155.

لقد بلغ من فقه النبي في هذا الموقف أنه لم يصح في وجه هذا الشاب ، ولم يغلظ له القول ، ولم يطرده من مجلسه بل قربه منه كأنه مقر بهذا الأمر في بدايته ، وبعد ذلك أخذ النبي يوضح له خطورة الفعلة التي يريد الشاب أن يفعلها فذكر له النبي جميع أقاربه حتى تكتمل له الصورة ، ويعيش الواقع ، ويشعر بعظم الأمر الذي جاء يستأذن فيه ، فما كان من هذا الشاب إلا أن كره الأمر ، ولم يعد إليه , وكل هذا جاء بعد قناعة تامة نتجت عن الأسلوب اللين الذي نهجه النبي .
” ومجيء الشاب المسلم إلى رسول الله مستأذنا بالزنا يدل على أنه شاب ضعيف اختل توازنه ، واضطربت شخصيته ، ودفعته غريزته إلى الزنا ، فكان إيمانه حاجزاً له، ودافعاً على الاستئذان بالزنا ، وهذا دليل ناطق على حالته المرضية من جهة ، وبجانب الخير فى الشاب من جهة أخرى ، وإلا ذهب وزنا كما يزنى غيره ، فاقتضى هذا التشخيص الدقيق من النبي لحالته النفسية واستخدام كلا المنهجين معه ، حتى أنقذه مما هو فيه ، وأعاده إلى التوازن والصواب “( )
تخيل لو أن هذا الأمر حدث في زماننا هذا فجاء شاب سائر ، غلبته شهوته ، وجذبه شيطانه ، وتهيأت جوارحه ، فحول كل تفكيره في هذا الأمر ، وأصبح جل همه أن يقضى وطره على أي حالة كانت فترى الرد من بعض الدعاة الزجر له ، والاستهانة به ، والسخرية من حاله ، والغلظة له في القول ، وإسماعه كلمات قاسية عليه ، كأن يقول له : أما تستح من نفسك ، إنك متجروأ على حرمات الله ، فينتج عن ذلك أن يخرج الشاب باحثاً عن مخرج لشهوته فيلتقطه أعوان الشر وهم كثير .
فانظر إلى الشاب في الحالتين حالة الرفق به تجده مطأطأ الرأس ، منصت لكل ما يوجه إليه ، محباً للخير ؛ لأن عاقبته طيبة ، كارهاً للشر لأن عاقبته وخيمة ، وحالة الصد عنه والقسوة عليه تجد الشيطان يتملكه ؛ لأنه لم يدرك عاقبة ما يريد أن يصنع ؛ لأن الشيطان زين له سوء عمله فرآه حسناً . ماذا كانت النتيجة ؟
دخل الشاب على النبي وأحب شيء إليه الزنا ، وخرج وأبغض شيء إليه الزنا ؛ لأن النبي ملك عقله وقلبه ، وجعله يحكم على فعلته هذه بنفسه ، ما إذا كان يرضاه لأمه ولابنته ولأخته ، أم لا, فإذا كرهه لأحب الناس إليه ، فكيف يرضاه لغيره من الناس .
وهذا الأثر الذي تركه موقف النبي في نفس الشاب من هدوء نفس ، وإعراض عن الزنا ، الذي كان يتوق إليه ، ويرغب فيه ، كان معجزة خارقة للنبي ، ولا تتكرر لغيره إلا من باب الكرامات ، وخوارق العادات ، كلا فإن أي معلم رباني الوجه ، نبوي الطريقة يقتدي برسول الله في سلوكه قولاً وعملاً سيجد بتوفيق الله تعالى نفس الأثر أو قريب منه وفقاً لسنة الله تعالى.
فهذه دعوة للدعاة أن يقتفوا اثر نبيهم في دعوة الناس عامة والشباب خاصة فهم عماد الأمة وسر نهضتها ورقيها وتقدمها.

شارك الموضوع