بقلم فضيلة الشيخ سعد الشهاوى الباحث والامام والخطيب با الغربيه
ومن أى أصحاب الهمم أنت فكما أن هناك همة عالية هناك أيضا همة سافلة دنيئة
ولقد ذمَّ الله ساقطي الهمة وصورهم في أبشع صورة :(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف: 175، 176.
فكما أن الناس متفاوتون في العقول والمواهب والقدرات؛ فكذلك هم متفاوتون في الهمم؛ قال الله تعالى: {إن سعيكم لشتَّى}. فعلى قدر الهمة عند الفرد يأتي الجد والاجتهاد والنشاط والعمل.
يقول المتنبي:
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ ***** وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها ***** وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ
فهمم الناس تتفاوت؛ فمنهم من همته جمع المال؛ ومنهم من همته النساء؛ ومنهم من همته الخمور والمخدرات؛ ومنهم من همته المعاصي؛ ومنهم من همته الجنة والآخرة…إلخ ؛ ومما يدل على تفاوت الهمم عند الناس هذه القصة: ” اجتمع عبد الله بن عمر، وعروة بن الزبير، ومصعب بن الزبير، وعبد الملك بن مروان بفناء الكعبه، فقال لهم مصعب: “تمنَّوا”، فقالوا: “ابدأ أنت”، فقال: “وِلاية العراق، وتزوُّج سكَينة ابنة الحسين، وعائشة بنت طلحهَ بن عبيد الله”، فنال ذلك، وأصدق كل واحدة خمسمائة ألف درهم، وجهَّزها بمثلها، وتمنى عروة بن الزبير الفقه، وأن يُحمل عنه الحديثُ، فنال ذلك، وتمنى عبد الملك الخلافة، فنالها”، وتمنى عبد الله بن عمر الجنة.” (ربيع الأبرار – الزمخشري)
والناظر في حال الأمم يجد أنه ما من أمة ترقت في مراتب المجد وسطرت اسمها على صفحات التاريخ إلا كان وراء ذلك عمل كبير وتضحيات جسام، وبذل للجهد في كل الميادين كما أن الهمة العالية لا تزال بصاحبها تزجره عن مواقف الذل ومواضع التهم وتنأى به عن التلطخ بالرذائل وتحثه على اكتساب المكارم والفضائل فعلو الهمة وقوة الإرادة من أهم عوامل إصلاح المجتمعات فهذا سيدنا إبراهيم -عليه السلام- واجه قومه وأنكر عليهم عبادة الأوثان، بل وكسرها وهو شاب واحد ولكن كان ذا همة وإرادة ألاف الشباب قال تعالى (قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرهِيمُ) الأنبياء60.
وذو القرنين الذي كان من جنود الإسلام ، جاب الأرض لا يمر على أمة من الأمم إلا دعاهم بدعوة الحق .قال تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً *فَأَتْبَعَ سَبَباً)الكهف 83-84-85 ولما ورد على القوم الذين لا يكادون يفقهون قولاً ، لاستعجام كلامهم وبعدهم عن الناس ، وإخلادهم إلى الكسل ،وتعطيل الفكر ،وتبديد الطاقة ،فصاروا ضعفاء مساكين لا حول لهم ولا قوة اشتكوا إليه من ظلم يأجوج ومأجوج ،وإغارتهم عليهم وإفسادهم أموالهم و زروعهم ومواشيهم وأنفسهم فماذا قالوا : (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً) (الكهف:94)اى اكفنا شرهم يا ذا القرنين ونحن نعطيك الأجر ، ولكن المسلم الذي يندفع بروح الإسلام وقوة الإيمان والإخلاص لله سبحانه وتعالى لا ينتظر الأجر ،لا يأخذ أجرة إنما ينتظر الأجر من الله سبحانه وتعالى . قال ما مكني فيه ربي خير ما أعطاني الله من الإسلام والقوة خير مما ستعطونني ،(حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً)لقد كان هؤلاء في أمس الحاجة إلى همة عالية تدعوهم وتحثهم على قوة الإرادة والرقى بهممهم، قال تعالى ( فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) (الكهف:95-96)
ومن ثم فان علو الهمة لا يقف في جانب من جوانب الحياة بل يتسع ليشمل كل جوانب الحياة إن دينًنا لا يقبلُ من أتباعه الكسلَ والخُمولَ والعجزَ والسكونَ والاستِرخاءَ، وضعفَ الهمَّة والفتور، قال تعالى ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 7، 8].
إذ أن ضعف الهمة تفوت على الفرد مصالح عليا، وتفسد عليه حياته، ولذلك يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -:( لا تصغرنّ همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته)
ويقول المتنبي: وَلَمْ أَرَ فِيْ عِيُوْبِ النَّاسِ عَيْبَاً *** كَنَقْصِ الْقَادِرِيْنَ عَلى الْتَّمَام
كما أن ضعف الهمة يترتب عليه آثار سلبية فهو كارثة للأمة وهو سبب ضياع قوتها وتفريق كلمتها وتمزيق وحدتها وتداعى الأمم عليها ونهب خيراتها وهو الأمر الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فعَنْ ثَوْبَانَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ، فَقَالَ قَائِلٌ : وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ : حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ” . رواه أبو داود
إن اللبيب العاقل يسارع ويبادر قبل العوائق والعوارض، فنافس ما دمت في فسحة ونفس، فالصحة يفجؤها السقم، والقوة يعتريها الوهن، والشباب يعقبه الهرم. فقد قال صلى الله عليه وسلم بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ”،وقال أيضا ” اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابُكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتُكَ قَبْلَ سِقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغُكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتُكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ” فخذوا من شبابكم لهرمكم ،و من صحتكم لمرضكم ،ومن غناكم لفقركم ،ومن فراغكم لشغلكم، ومن حياتكم لموتكم .بادِرْ بِخَيْرٍ إذا ما كُنْتَ مُقْتَدِرَا *** فَلَيْسَ في كُلِّ وَقْتٍ أَنْتَ مُقْتَدِرُ
فالمؤمن الصادق الحريص على دخول الجنة ، لا يكون إلا ذا همة عالية ، لا يعرف العجز ولا يألف الكسل ، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أبي هريرة ” الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ لوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَل فَإِنَّ لوْ تَفْتَحُ عَمَل الشَّيْطَانِ ” .قال أحد الصالحين : همتك فأحفظها ، فإن الهمة مقدمة الأشياء ، فمن صلحت له همته وصدق فيها ، صلح له ما وراء ذلك من الأعمال .
عباد الله: وختاما أقول: عليكم بإخلاص النية في الهمة بأعمالكم؛ فإن همة المؤمن أبلغ من عمله؛ قال صلى الله عليه وسلم : “من هَمَّ بحسنة، فلم يعملها، كتبها الله عنده حسنة كاملة….” (البخاري)؛ وقال :”من سأل الله الشهادة بصدق، بلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه” (مسلم).
قسم جراحة العظام بكلية الطب جامعة الأزهر بدمياط الجديده ينجح
فى 30 أبريل 2021
اكتب تعليقك