13:04 - 06 أغسطس 2018

بقلم خالد السيد
يقول خالد السيد ​مساعد رئيس حزب مصر الثورة للشؤون القانونية
إن الشائعات لها خطر عظيم على الفرد والمجتمع، فالشائعة آفة من الآفات التي تعمل على تقويض المجتمع ونشر الفوضى والاضطراب بين أفراده، فإذا كانت الحروب والأزمات والكوارث والنكبات تستهدف بأسلحتها الفتاكة الإنسان من حيث الجسد، فإن حرباً سافرة مستترة تتولد على ضفاف الحوادث والأزمات، وتتكاثر في زمن التقلبات والمتغيرات، وهي أشد ضراوة وأقوى فتكاً، لأنها لا تستهدف الإنسان من حيث جسده، بل هي تستهدف الإنسان من حيث عمقه وعطاؤه وقيمه ونماؤه، إنها حرب الشائعات.
الإشاعة هي عملية اختلاق أو فبركة أحداث أو مواقف أو أخبار غير حقيقية متعلقة بأشخاص أو أحداث أو مواضيع تحظى باهتمام الرأي العام وتقديمها للناس على أنها حقيقة واقعة بدون تقديم دلائل على وقوعها، هذا بالإضافة إلى القيام بنشر تفسيرات سلبية غير موثوقة أو مدققة حولها.
والشائعات ليست وليدة اليوم، بل هي موجودة ومؤثرة في أغلب الحضارات والثقافات عبر التاريخ، لأنها أحاديث يومية يتناولها الناس، ولها أهداف وأغراض، ووسائل نقل، حسب المجتمع والبيئة التي تسود فيها، يقول جان نويل في كتابه “الشائعات الوسيلة الإعلامية الأقدم في العالم” إن الشائعة تقتل، ويستند إلى قصص كل من الوزير روجيه سالينغرو الذي انتحر في عام 1936، والسياسي روبير بولان الذي انتحر في عام 1979، كان كل منهما قد تعرض لحملة من الشائعات “فاقت قدرتهما على الاحتمال”.
وقد ساعد على انتشار الشائعات في وقتنا الحاضر تَنَوُّع الوسائل وتَعَدُّدها عن طريق البثِّ المباشر بوسائله المختلفة، بحيث تصل الشائعة إلى مَن وُجِّهت إليه في زمن وجيز.
وفي دراسة عن سيكولوجية الإشاعة كان قد أجراها كل من غوردون اولبورت وجويف بوستمان في عام 1947 استنتج الباحثان أن المعلومة تصغر وتتقلص كلما ازداد عدد المتداولين لها بحيث تصبح في النهاية أكثر تركيزاً وأسهل تداولاً واقل مصداقية عما بدأت به، وبنى الباحثان هذا الاستنتاج على تجربة عملية أجرياها كانت عبارة عن نشر رسالة شفهية معينة بين عدد من الأفراد ليتم نقلها من شخص إلى شخص واحد فقط في كل مرة ليجدا في النهاية أن تلك الرسالة قد فقدت حوالي 70% من محتواها بعد انتقالها إلى الشخص الخامس أو السادس لتصبح شيئاً مختلفاً تماما عن تلك التي أعطيت إلى الشخص الأول.
وفي دراسة وين تاو هوانج “الإشاعة بين الشك والإنكار” أكدت على أن الإشاعة ظاهرة اجتماعية تنتشر في مجالات واسعة وبشكل سريع، وقسمت متُلقي الإشاعة إلى ثلاث أقسام:
القسم الأول: قليلي المعرفة ويتلقون الإشاعة دونما تحليل أو تمحيص.
القسم الثاني: مروجي الإشاعة والذين يقومون بنشرها في المجتمع.
القسم الثالث: معوقي الإشاعة وهم الذين يقومون بفلترتها وتحليلها لمعرفة مصداقيتها.
وبإجتماع الجهلة مع مروجي الإشاعة يتم تجنيد الجهلاء وتحويلهم إلي مروجين, أما اجتماع مروج إشاعة مع مروج آخر يؤدي إلى تحويلهم إلى معيقين للإشاعة, وكذلك مروج إشاعة مع معيق للإشاعة يحول المروج إلى معيق للإشاعة.
ومن أسباب انتشار الإشاعات ضعف المستوى التعليمي والثقافي لدى أفراد المجتمع؛ حيث إنّهم يتناقلون المعلومات والأخبار دون التنبؤ بصحتها أو محاولة تحليلها والتفكير في مدى واقعيتها. غياب المعلومات الصحيحة والشفافية، وهو ما يساعد على انتشارها، ضعف العلاقة بين أفراد المجتمع ومؤسسات الدولة، اتّباع النّفس الأمّارة بالسوء؛ فمروّجو الإشاعات يعانون من أفكار غير سويّة ومشاعر سلبية تجاه المجتمع؛ حيث يسعدون عندما يشاهدون الفوضى والبلبلة بين أبناء المجتمع الواحد.
ليس كل خبر يمكن أن يتحول إلى إشاعة, فالإشاعة تحتاج إلى شروط محددة يجب توفرها لكي تنتشر بين الناس أهم هذه الشروط:
1- الأزمات والاهتمامات المشتركة: يجب أن يكون هناك أزمة معينة تجعل الناس مهيئين لتقبل الإشاعة مثل فترات الحروب والكوارث الطبيعية والأحداث والتحولات الاجتماعية الكبرى.
2- الغموض: يجب أن يتوفر جانب من الغموض في الإشاعة, فالإشاعة لا تقدم معلومة مؤكدة بل معلومة تحتاج إلى برهان ودليل.
3- الانتشار التصاعدي: لا تنتقل الإشاعة بصور فجائية بين الناس بل تنتقل بصورة متدرجة من فرد إلى مجموعة من الناس تجمعهم اهتمامات مشتركة, ثم بعد ذلك تتسرب الإشاعة من هذه المجموعة إلى مجموعات وأفراد آخرين.
أما عن دور الفن للتصدي لهذه الظاهرة، كان وما يزال للفن الدور الكبير في توعية وتثقيف الشعوب من خلال الرسائل التي يرسلها إلى المتلقي، إذ يبقى الفن على مر التاريخ قادرًا على إحداث التغير في المجتمع وتشكيل الوعي لدى أبنائه، بالرغم من أن الفن لا يحارب بالأسلحة، ولكنه يقوم بدور لا يقل أهمية عن المحاربين والجنود الذين يواجهون المخاطر.
فالفن ركن أساسي في مواجهة الشائعات ومحاربتها، فالعمل الفني إذا دعا إلى أخلاقيات أو مبادئ يجب أن يسير عليها المجتمع فهو يعد سلاحًا لمحاربة الشائعة ونبذ جذورها لأنه سيهذب المجتمع ويصلحه.
إننا لنؤمن بأن للفن رسالة سامية ترتقي بالروح وتوسع الآفاق، وهو يقدم بالصوت والصورة ما هو أبلغ كثيراً مما يقدمه الخطاب المباشر، ولعلنا هنا ندعوا أهل الفن للخروج بأعمال أكثر ثراءً وقوة وتأثيراً ومعالجة لما أصابنا وسيصيبنا من آلام جراء تلك المواجهة الصعبة والشرسة ضد الشائعات المتلاحقة، لأننا أمام خطر يتهددنا وبات من الضرورة إعادة النظر في توظيف كل إمكانات الأمة المتاحة.

شارك الموضوع