00:59 - 18 مارس 2020

كتب / خالد منصور

نواصل مع المفكر العربى الكبير جواد على (1907- 1987) قراءة تاريخ العرب وذلك من خلال كتابه المهم (المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام) الذى صدر فى سنة 1969.
يقول “جواد على” وقد لاحظ العلماء المحدثون أن بين أسماء القبائل، أسماء هى أسماء حيوان أو نبات أو جماد أو أجرام فلكية، كما لاحظوا أن بين المصطلحات الواردة فى النسب مصطلحات لها علاقة بالجسم وبالدم، وقد وجدوا أن بين هذه التسميات والمصطلحات وبين البحوث التى قاموا بها فى موصوع دراسة المجتمعات البدائية صلة وعلاقة، وأن للتسميات المذكورة صلة وثيقة بـ”الطوطمية”، كما أن للمصطلحات صلة بما يسمى بـ”دور الأمومة” أو “زواج الأمومة” عند علماء الاجتماع.

والطوطمية: نظرية وضعها “ماك لينان” “مكلينان” المتوفى سنة 1881م, خلاصتها:

1- أن الطوطمية دور مَرَّ على القبائل البدائية، وهى لا تزال بين أكثر الشعوب إغراقًا فى البدائية والعزلة.

2- أن قوامها اتخاذ القبيلة حيوانا أو نباتا، كوكبا أو نجما أو شيئا آخر من الكائنات المحسوسة أبًا لها، تعتقد أنها متسلسلة منه وتسمى باسمه.

3- تعتقد تلك القبائل أن طوطمها يحميها ويدافع عنها، أو هو على الأقل لا يؤذيها وإن كان الأذى طبعه.

4- لذلك تقدس القبيلة طوطمها وتتقرب إليه وقد تتعبد له.

5- الزواج ممنوع بين أهل الطوطم الواحد، ويذهبون إلى الزواج من قبائل غريبة عن قبيلة الطوطم المذكور، وهو ما يعبر عنه بـ”Exogamy” فى اللغة الإنجليزية، إذ يعتقدون أن التزاوج من بين أفراد القبيلة الواحدة ذو ضرر بالغ، ومهلك للقبيلة، لذلك يتزوج رجال القبيلة نساءً من قبيلة أخرى غريبة، لا ترتبط بطوطم هذه القبيلة، والمخالف لهذه القاعدة، أى الذى يتزوج امرأة من قبيلته يعرض نفسه للعقوبات قد تصل إلى الحكم عليه بالموت.

6- الأبوة غير معروفة عند أهل الطوطم، ومرجع النسب عندهم إلى الأم.
 
7- لا عبرة عندهم إلى العائلة، والقرابة هى قرابة الطوطم, فأهل الطوطم الواحد إخوة وأخوات يجمعهم دم واحد.

والطوطمية “Totemism” لفظة أخذت من كلمة “Ototemom” وهى من كلمات قبيلة “Ojidwa” من قبائل هنود أمريكا1, اشتق منها “لانك” “J. Lang” كلمة “توتم” “Totem”، ومنها أخذ اصطلاح “طوطمية” “توتميسم” Totemism الذى يعنى اعتقاد جماعة بوجود صلة لهم بحيوان أو حيوانات تكون فى نظرها مقدسة؛ ولذلك لا يجوز صيدها أو ذبحها أو قتلها أو أكلها أو إلحاق أذًى بها، وتشمل الطوطمية النباتات كذلك، فلا يجوز لأفراد الجماعة التى تقدسها قطعها أو إلحاق الأذى بها. وقد يتوسع بها فتشمل بعض مظاهر الطبيعة مثل: المطر والنجوم والكواكب.

وهم يؤمنون بأن “الطوطم” لا يؤذى أتباعه، فلا يخافون منه، حتى وإن كان من الحيوانات المؤذية التى تلحق الأذى بالإنسان، كالحية أو العقرب أو الذئب. وهم يعتقدون أيضا أنه يدفع عنهم، وأنه ينذر أتباعه إن أحس بقرب وقوع خطر على أتباعه، وذلك بعلامات وإشارات على نحو ما يقال له الزجر والطيرة والفأل.

وهم يتقربون إلى طوطمهم؛ محاولة منهم فى كسب رضاه، فيقلدونه فى شكله ومظهره، وقد يلبسون جلده أو جزءًا من جلده، أو يعلقون جزءًا منه فى أعناقهم أو أذرعهم على نحو من التعاويذ؛ لأنه يحميهم بذلك ويمنع عنهم كل سوء. كما يحتفلون به وبالمناسبات مثل مناسبات الولادة أو الزواج أو الوفاة بنقش رمز الطوطم على ظهر المولود، أو دهن الجسم بدهن مقدس من دهان ذلك الطوطم, إلى آخر ما هنالك من أعراف وتقاليد.

ويؤلف المعتقدون بالطوطم جماعة تشعر بوجود روابط دموية بين أفرادها، أي: بوجود صلة رحم بينها. والرابط بينها هو ذلك الطوطم الذى تنتمى الجماعة إليه وتلتف حوله؛ ليكون حاميها والمدافع عنها فى الملمات. ومن أصحاب هذا المذهب من لا يذكر اسم الطوطم، بل يُكنى عنه, ويحوز أن يكون ذلك خوفًا منه، أو احترامًا له. وقد يرسم له شعار تحمله الجماعة وأفرادها، ولها قوانين وآراء فى موضوع الزواج الذى تترتب عليه قضية القرابة وصلات الرحم.

وللعلماء نظريات وآراء فى الطوطمية. وهى منصبة على دراسة الناحية الاجتماعية منها، من حيث كون “الطوطمية” نظاما اجتماعيا يقوم على أساس مجتمع صغير مبنى على العشيرة أو القبيلة، أما الدراسات الدينية للطوطمية، فهى بعد هذه الدراسة من حيث التوسع والتبسط فى الموضوع، وأكثر هذه الدراسات أيضا عن قبائل هنود أمريكا الشمالية وعن قبائل أستراليا ثم إفريقيا. أما أثر الطوطمية عند الشعوب القديمة مثل اليونان والشعوب السامية فإن بحوث العلماء فى المراحل الأولى من البحوث، وهى مستمدة بالطبع من الإشارات الواردة فى الكتابات أو المؤلفات أو من دراسات الأسماء.

ومن أشهر أصحاب النظريات فى موضوع الطوطمية “تيلر”Sir E. B. Tylor و”سير جيمس فريزر” “Sir J. G. Frazer”، وهذا الأخير يرفض نظرية الذاهبين إلى أن الطوطمية فى شكلها الأول هى ديانة؛ لأن الطوطم لا يعبد كما يقول على صورة صنم.

ومن أسماء الحيوانات التى تسمت بها البطون والعشائر: كلب، وذئب، ودب، وسلحفاة، ونسر، وثعلب، وهر، وبطة، وثور، وغير ذلك من أسماء حيوانات تختلف بحسب اختلاف المحيط الذى تكون فيه عبدة الطوطم، يضاف إلى ذلك أسماء أشجار ونباتات أخرى وطائفة من أسماء الأسماك. وقد ذكر “بيتر جونس” “Peter Jones” أربعين بطنًا من بطون قبيلة الـ”Ajibwa” لها أسماء حيوانات4.

وقد لاحظ “روبرتسن سمث” “Robertson Smith” أن فى أسماء القبائل عند العرب أسماء كثيرة هى أسماء حيوان أو نبات أو جماد، فاتخذ من هذه الأسماء دليلًا على وجود “الطوطمية” عند العرب، وعلى أثرها فى الجاهليين فأسماء مثل: بنى كلب، وبنى كليب، والنمر، والذئب، والفهد، والضبع، والدب، والوبرة، والسيد، والسرحان، وبكر، وبنى بدن، وبنى أسد، وبنى يهثة، وبنى ثور، وبنى جحش، وبنى ضبة، وبنى جعل، وبنى جعدة، وبنى الأرقم، وبنى دُئل، وبنى يربوع، وقريش، وعنزة، وبنى حنش، وبنى غراب، وبنى فهد، وبنى عقاب، وبنى أوس، وبنى حنظلة، وبنى عقرب، وبنى غنم، وبنى عفرس، وبنى كوكب، وبنى قنفذ، وبنى الثعلب، وبنى قنفذ، وبنى عجل، وبنى أنعاقة، وبنى هوزن، وبنى ضب، وبنى قراد، وبنى جراد، وما شاكل ذلك من أسماء، لا يمكن فى نظره إلا أن تكون أثرًا من آثار الطوطمية، ودليلًا ثابتًا واضحًا على وجودها عندهم فى القديم.

وقد لاقى تطبيق “روبرتسن سمث” نظرية “الطوطمية” على العرب الجاهليين، ترحيبًا عند بعض المستشرقين، كما لاقى معارضة من بعضهم. وقد رد عليه “جورجى زيدان” فى كتابه “تاريخ التمدن الإسلامي”، وبين أسباب اعتراضه على ذلك التطبيق.

نَجَل مولودها، ولا يعرف المولود والده نُسب إلى أمه وعرف بها. وبهذا التفسير، فسر “روبرتسن سمث” ومن ذهب مذهبه من علماء علم الاجتماع، وجود الأسماء المؤنثة عند العرب وعند العبرانيين وعند بقية الساميين.

واتخذ “روبرتسن سمث” من وجود بعض الكلمات فى تسلسل أنساب القبائل مثل: البطن والفخذ والصلب والظهر والدم و”رحم” دليلًا آخر على وجود “دور الأمومة” عند العرب؛ لأن لهذه الألفاظ صلة بالجسم، ولهذا كان لإطلاقها عند قدماء العرب -على حد قوله- علاقة بجسم الأم, ولا سيما أنهم استعملوا لفظة “الحي” كذلك, ولهذه اللفظة علاقة بالحياة وبالدم. وإطلاق الألفاظ فى نظره ورأيه على معانٍ اجتماعية، دليل على الصلة التى كانت للأم فى المجتمع لذلك العهد.

وقد بحث “روبرتسن سمث” بحثًا مفصلًا فى الحى، إذ هو فى نظره وحدة سياسية واجتماعية قائمة بذاتها، ويطلق على “الحى” لفظة “قوم” و”أهل”، وينظر أبناء الحى الواحد بعضهم إلى بعض نظرة قرابة, فكأنه من من نسل واحد يربط بينهم دم واحد. وقد استدل “روبرتسن سمث” من معنى “الحي” على وجود معنى الحياة فى الكلمة فى الأصل، كما هو الحال فى اللغات السامية، ورأى لذلك أنها تمثل رابطة قرابة وصلة رحم عند سائر العرب السامية. ويكون أعضاء الحى الأحرار “صرحاء”، وفى العبرانية “أزراح”. أما الذين ينتمون إليه بالولاء، فهم “الموالي” يستجيرون به أو بالقبائل أو الأفراد، فيلقون حماية من يستجيرون بهم، ويكون “الجار” فى رعاية مجيره.

و”البطن” فى نظر “روبرتسن سمث” هو أقدم أوضاع المجتمع السامى القديم، ويقوم على أساس الاعتقاد بوجود القرابة والروابط الدموية. ويرى أن مفهومه عند قدماء الساميين كان يختلف اختلافا بينا عنه عند العرب المتأخرين أو عند العبرانيين، أو غيرهم. وقد فهم من اللفظة معنى المجموع الأكبر عند العرب، أي: معنى “شعب” أو “جذم” أو قبيلة، ورأى أن هذا المعنى هو المعنى القديم للكلمة عند العرب1. أما المعانى التى يذكرها علماء اللغة والأدب والأخبار، فهى فى نظره معانٍ متأخرة وضعت فى الجاهلية القريبة من الإسلام، ومن جملة هذه المعانى اختصاصها بالأماكن التى تقيم فيها القبيلة أو العشيرة، وتتألف من جملة عدد من الدور.

كان زمان

فى 17 سبتمبر 2021

شارك الموضوع