كتب .. نبيل بدر
قلبها سيّد القلوب المحبّة ، وروحها تقهر جبال المستحيلات ،
أحيانا يكون الواقع أجمل من الخيال ألف مرة وأغرب من الخيال ألف مرة ومرّة
كلماتها انسابت على مسامعي ؛ لتدخل إلى قلبي دون تأشيرة أو إذن دخول ، أقدّمها لكم كوردة هزمت بجمال القبح كلّه ، وأقدّمها بطهرها ثورة ضد الرجس ، وقوة قهرت جبال الصعاب .
أمّ قلبها عاصمة الأمومة ، رحل عنها زوجها في مقتبل العمر تاركا لها أطفال أربعة ، فجعلت من نفسها أبا وأمّا ومعلّمة ، واجهت حياة شاقة ، لكنها من الطراز الذي يصنع من الألم أملا ، صبرت ومن أوّل لحظة تاجرت مع الله وما أعظم التجارة مع الله !
حوّلت تحدّيات الحياة إلى معينات على مشقّاتها ، وصنعت من الدموع حائطا زجاجيا منيعا يخفي متاعبها .
تحدّت أمواج الواقع الأليم وصنعت منها قوارب نجاة ، فرفضت من رغبوا في الزواج منها ، وآثرت أطفالها على سعادتها الخاصّة .
بينما كانت تتحدّث إلى صديق لي تبثّ له شجونها ومعاناة الحياة ؛ عجبت من صلابتها ، ومفرداتها تتخطى حاجز الألم والدموع ، كان يقينها بالله يقهر مستحيلات الدنيا ، وها هي تطلب منه خدمة جليلة ؛ ليست مالا وليست شيئا ماديّا ، فتولّد في نفسي شعور أن أزرع وردة في بستان تلك السيّدة العظيمة ، فقلت : هل يمكنني القيام بمساعدتك أيتها الأمّ الجليلة ، ولي شرف الفخر بما فعلت ؛ فأنت مثال مشرّف للعفة والكرامة والصبر وقوة الإرادة ؟
وبعد طول عناء أذنت لي ، وبالفعل وظّفت ما وهبني الله من قلوب جميلة طيّبة فتمكنت من إنجاز ما طلبته منّي .
تأمّلتها وهي في قيادتها لسفينة الحياة بإيمان ويقين وقلب واع ، جعلت حبّها لله ورغبتها في رضا الله تربة خصبة نبتت فيها أرواح أربع ، وجعلت من ملامح زوجها وملامح أطفالها عالمها الجميل الخاص ، وظلّت تواجه مواقف الحياة حتّى أورقت تلك البراعم وأينعت فها هم جميعا قد حفظوا كتاب الله ، وها هو ابنها الأول قد تخرّج مهندسا بتقدير امتياز ، وها هو ابنها الثاني يدخل كليّة الطبّ ويحقّق تفوّقا مميّزا ، ومازال هناك برعمان ترقبهما عن كثب حتّى يتخرّجا في بستانها وردتين رائعتين ضدّ قبح المواقف الصعبة ، استطاعت بدراهم معدودة من عملها البسيط أن تتغلّب على كلّ احتياج لأسرتها ، في الوقت الذي ينفق فيه الآخرون ملايين وملايين دون تحقيق أمل واحد لابن من أبنائهم .
امرأة من زمن الحبّ والمسئوليّة صنعت ما عجزت عنه أجيال من الأمهات الورقيّة التي لا تعرفن للأمومة معنى .
أمّ تجسّدت فيها ملامح أمّنا مصر العظيمة التي أعطت من روحها ونبضها لأرواح طاهرة كريمة ستبذل ما في وسعها لنهضتها .
أمّ جميلة وروح طاهرة أبيّة ، أعطت دروسا كريمة لنا جميعا ، علّمتنا أنّ المال ليس هو الذي يبنى ويهدم الأسر ، وليس المنصب والمكانة هما اللذان يبنيان المجد ، لكنها التربية الصالحة التي أساسها التجارة مع الله .
أمّ أقدّمها لكلّ الأمّهات المستقيلات من أمومتهنّ ؛ لتكون لهنّ القدوة والمثل في زمن غاب عنه القدوة والمثل ، تعالوا معي نقدّم هذه الأم العظيمة أمّا مثاليّة لدمياط ، وتعالوا معي نسأل أنفسنا ألف سؤال : من غير هذه الأمّ تستحقّ هذه المكانة وهذا المقام الرفيع ؟ .
أليست سيّدة بألف ألف رجل ؟؟!!
كان زمان
فى 17 سبتمبر 2021
اكتب تعليقك