22:49 - 16 ديسمبر 2018

 

طارق سالم
يقول سبحانه: {ولا تنسوا الفضل بينكم} فأمروا في هذه الآية بأن يتعاهدوا الفضل ولا ينسوه لأن نسيانه يباعد بينهم وبينه وموشك أن يحتاج إلى عفو غيره عنه في واقعة أخرى ففي تعاهده عون كبير على الإلف والتحابب وذلك سبيل واضحة إلى الاتحاد والمؤاخاة والانتفاع بهذا الوصف عند حلول التجربة.
إن الاعتراف بالفضائل وحفظ الخيرات من شيم أهل الإيمان يقول الشافعي: “الحر من راعى وداد لحظة أو انتمى لمن علمه لفظه” والحر لا يكفر النعمة ولا يتسخط المصيبة بل عند النعم يشكر وعند المصائب يصبر ومن لم يكن لقليل المعروف عنده وقع أوشك أن لا يشكر الكثير منه والنعم لا تستجلب زيادتها ولا تدفع الآفات عنها إلا بالشكر.
والذين أولاهم الله سبحانه شرف العلم بشريعته ويسر لهم أن يكونوا دعاة إلى منهاجه وحمل منارة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم هم أولى الناس بأن يضربوا النماذج المثالية المضيئة في تعاملاتهم معا وفي سلوكهم تجاه بعضهم كيف لا وهم الأعرف والأعلم بخلق نبيهم صلى الله عليه وسلم والأحفظ لسيرته والأدرى بسبيل صحابته والتابعين.
لكن حالة قد تفاجئنا وتدمي قلوبنا بينما نرى شقاقا أو نزاعا أو إضرارا بين هؤلاء الفضلاء حاملي اللواء الأنور الكريم فعندها ينعقد اللسان عن الكلام ويخيم الوجوم على المحيا ويكتسي القلب رداء الحزن والألم.
ومن بين تلك الحالات السلبية حالة نرى فيها شقاقا بسبب مواقف واقعية أو رؤى تطبيقية وبدلا من إحسان الظن يسود سوء الظن وبدلا من العفو والصفح يكون الشقاق واتساع الهوة وبدلا من اختلاق الأعذار يكون الاتهام وبدلا من الصفو يكون الكدر وبدلا من ذكر المحاسن والفضائل تذكر المساوىء والنواقص وبدلا من الاجتماع على الهدى والنور يجتمعون على الغضب والترصد فتزداد الهوة ويصبح المختلفان طرفين متنازعين وينقلب الخلاف كراهية وربما صار عداوة وصراعا.
الإنسان لا ينبغي أن يهمل نفسه من الإحسان والمعروف وينسى الفضل الذي هو أعلى درجات المعاملة لأن معاملة الناس فيما بينهم على درجتين: إما عدل وإنصاف واجب وهو: أخذ الواجب وإعطاء الواجب وإما فضل وإحسان وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق والغض مما في النفس فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة ولو في بعض الأوقات وخصوصا لمن بينك وبينه معاملة أو مخالطة فإن الله مجاز المحسنين بالفضل والكرم.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف أنتم كيف حالكم كيف كنتم بعدنا قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله فلما خرجت قلت: يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال فقال: يا عائشة إنها كانت تأتينا زمان خديجة وإن حسن العهد من الإيمان».
وحفظ صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق فضله : «إن من أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين باب في المسجد إلا سدّ إلا باب أبي بكر»
وحفظ صلى الله عليه وسلم للمطعم بن عدي عمله حين أجاره فقال في شأن أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له»
فيا أهل المعروف والفضل اطردوا الشيطان من بينكم ولا تعظموا خلافاتكم فتجعلوها عداوة وبغضاء وتغافروا ولا تسمحوا للجهال والدهماء أن يتطاولوا على أهل الفضل مهما اختلفتم معهم واذكروا وداد اللحظات الكريمة واعلموا أنكم في سفينة واحدة شئتم أو ابيتم واستغفروا ربكم إن ربكم لغفور رحيم.
إن الوفاء على الكرام مكرمة *** واللؤم مقرون بذي النسيان
وترى الكريم لمن يقارب حافظا *** وترى اللئيم مضيع الإخوان

شارك الموضوع