19:57 - 04 ديسمبر 2018

طارق سالم
عندما أراد الصينيون القدامى أن يعيشوا في أمان بنوا سور الصين العظيم للسيطرة على غزو قبائل المغول البدويةالتى لطالما أجتاحت أرضهم وسببت لهم الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات.
وفي العصور اللاحقة قام الأباطرة من مختلف السلالات بترميم السور وتحصينه عن طريق بناء أجزاء جديدة وسد الثغرات وتعزيز قدراته الدفاعية بأبراج الحراسة والمراقبة العالية.
وأعتقدوا بأنه لايوجد من يستطيع تسلقه لشدة علوه ولكن ..!
خلال المئة سنة الأولى بعد بناء السور تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات وفى كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية فى حاجة إلى إختراق السور أو تسلقه .
بل كانوا في كل مرة يدفعون للحارس الرشوة ثم يدخلون عبر الباب.
لقد أنشغل الصينيون ببناء السور ونسوا بناء الحارس .. !
فبناء الإنسان .. يأتي قبل بناء كل شيء وهذا ما يحتاجه أبنائنا اليوم ..
لأن ((بناء البشر أهم من بناء الحجر)).
ومن هنا أستطيع أن أقول بأنه يوجد بيوت فيها أسر وفى أسر مش لاقيه بيوت وفى قصور جواها أسر مهدومة حتى القصور فيها قصور المسأله ليس مستوى تعليمى أو مديات.
يقول أحد المستشرقين:
إذا أردت أن تهدم حضارة أمه فهناك وسائل ثلاث هي:
أهدم الأسرة وأهدم التعليم وأسقط القدوات والمرجعيات.
فلكي تهدم الأسرة:عليك بتغييب دور (الأم) أجعلها تخجل من وصفها “بربة بيت”.
ولكي تهدم التعليم: عليك (بالمعلم) لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه ولكي تسقط القدوات: عليك (بالعلماء) أطعن فيهم وقلل من شأنهم شكك فيهم حتى لايسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد.
فإذا أختفت (الأم الواعية) … وأختفى (المعلم المخلص)…وسقطت (القدوة والمرجعية).
فمن يربي النشئ على القيم وهذا بكل أسف ما نراه اليوم فى مجتمعنا وما يواجهة من إنحدار فى المستوى الأخلاقى والتعليمى
فما أسهل من بناء الحجر وما أصعب من بناء الإنسان
فأعلم عزيزى القارىء أن أهم عوامل النجاح في أي مشروع ليس البناء ولا المكان بل يكون بالقدرة على بناء الإنسان فالإنسان هو جوهر أي عمل وأي مشروع تنموي بل هو روحها وسر نجاحها وبالتالي فإن سر فشل أي مشروع إصلاحي تنموي هو الإنسان نفسه روحاً وفكراً وأداء.
فبناء الأوطان والمجتمعات الراقية تبدأ ببناء الفرد والأفراد يمثلون جماعات والجماعات تمثل المجتمع فإذا كان بناء الإنسان صحيحاً سيكون المجتمع متقدماً .
فأننى أتعجب عندما أرى الكثير من الناس يطالبون بالبناء والأعمار وهناك أسباب فى التأخير والفساد المالي والاداري في مؤسسات الدولة وتدني مستوى الطلبة ناهيك عن الأعمال الإرهابية وتفشي الجريمة وكل هذه السلبيات بعيدة عن المعايير الإنسانية بل تحاربها لسبب واحد وهو أن الذين يمثلون السلبيات لم يجدوا التربية الصحيحة لذا تكون النتيجة دمار البلد من الجوانب الأمنية والسياسية والثقافية والأقتصادية والعلمية كافة وهذا نتيجة سياسات طائشة وتخلف الشعوب .
فإذا أردنا أن نجعل بلدنا متطوراً ونموذجاً في كافة المجالات فعلينا أن نبدأ ببناء الإنسان أولاً وهذا يحتاج إلى تكاتف الجهود بدءاً من الأسرة ثم المدرسة ومنابر رجال الدين والمثقفين كما تقع على الوسائل الإعلامية المسؤولية الأكبر لإظهار الصوت الهادف لتثقيف الناس على حقهم والواجب المفروض عليهم وإحترام الرأي الآخر وإحترام حرية فكره وخصوصياته كما تقع على الإعلام مسؤولية فضح العابثين بالأمن والمتورطين بالدم وبالفساد المالي والإداري وتلسيط الضوء على المخلصين ليكونوا مثل أعلى للاَخرين وزرع ثقافة المواطنة .
أن بناء أنسان أصعب إذا كان قد تربى ولسنين كثيرة على السلبيات فمنهم من يعتبر سرقة المال غنيمة وقتل الاَخر جهاداً فنحتاج مدة 40 عاماً للخلاص من هذه النماذج لكن علينا أن نبدأ بالطفولة فالتعلم في الصغر كالنقش على الحجر وسنجني ثمر بناء الإنسان الراقي المتحضر ولو بعد حين المهم بناء الإنسان لأنه المجتمع والوطن فهو العنوان الأساس لهذه الارض المعروفة بحضاراتها السابقة .
وبالتالي أهتمامنا بالإنسان ضروري لأنه محور كل تقدم حقيقي مستمر مهما أقمنا من مباني ومنشآت ومدارس ومستشفيات ومهما مددنا من جسور وأقمنا من زينات فإن ذلك كله يظل كياناً مادياً لا روح فيه وغير قادر على الإستمرار إن روح كل ذلك الإنسان. الإنسان القادر بفكره القادر بفنه وإمكانياته على صيانة كل هذه المنشآت والتقدم بها والنمو معها .
ومن هنا أعود فأقول إن بناء الوطن لن يتم بالشكل المطلوب قبل أن نقوم وبجهود حقيقية في بناء الإنسان
وفى النهاية أختم مقالتى بكلمة الفنان محمد منيرفى حدوته مصرية عندما قال
يهمنى الإنسان ولو مالوش عنوان

كان زمان

فى 17 سبتمبر 2021

شارك الموضوع