19:37 - 18 أغسطس 2018

 

 

احمد المرشد
كاتب ومحلل سياسي بحريني
amurshed2030@gmail.com

الي من يهمه الأمر :

من ينقذ ذاكرة التاريخ البحريني؟

تشرفت الأسبوع الماضي باستضافة الأخ العزيز عبد الله محمد الخان بالقاهرة حيث حل علي ضيفاً عزيزاً بمنزلي، وقضينا معا خلال فترة تواجده ساعات طويلة الي ما بعد منتصف الليل حتي اننا كنا أحياناً نشهد بزوغ الفجر نتذكر أحداثا تاريخية ومواقف عاصرها الأخ عبد الله – أبو يوسف- الذي يعد مؤرخا فريدا، فهو يؤرخ بعدسته مراحل وتطور البحرين منذ أكثر من سبعين عاما. لماذا هو مؤرخا فريدا؟.. لأنه بالإضافة الي الصور فهو يسرد التاريخ مفصلا بقصص واقعية ومواقف منذ نعومة أظفاره ، ولَم لا؟.. فهو ابن رائد التصوير بالبحرين المغفور له محمد عبد الرحمن الخان، أول من أدخل فن التصوير وسرد أحداث وتاريخ البحرين بكاميرته منذ عهد المغفور له الشيخ عيسي بن علي آل خليفة حاكم البحرين رحمه الله.

لقد تمكن عبد الله الخان بجهده الشخصي ومبادراته الذاتية من إصدار أكثر من ستة كتب حتي الآن، وهي:

· المحرق وردة البحر: استبدل فيه الكلمة بالصورة لتكون مدينة المحرق منذ الأربعينيات هي البطل.

· ديمقراطية 73 : ويسرد فيه بالصورة بدايات الحياة النيابية.

· دفتر اللؤلؤ : يصور مغاصات اللؤلؤ والعمل فيها وأشهر أنواعه وأغلاها وأشهر تجاره، ويتضمن الكتاب آخر رحلة غوص عام 1963.

· معجم العين : ويسرد فيه سيرته الذاتية وتاريخه مع العدسة وكيف تعامل معها ليخرج لنا بحياته الشخصية.

· تمر البحر: يستعرض فيه كل تفاصيل الحياة داخل 72 من قري البحرين ومعالمها وأشهر ما تميزت به.

· ليوان : وينقل لنا بحرفية متناهية نماذج من فنون العمارة لبيوت البحرين ومكونات صناعتها وأشهر من عمل بها.

· وتحت الطبع “ديار” : وهو الكتاب “المفاجأة” حسب وصف المؤرخ عبد الله ليكون “تحفة” أعماله.

ويأمل الأخ عبد الله الخان استكمال سلسلة كتبه ومنها كتاب “صاحب الفضل والنخلة وصناعة السفن” ليكون ختامها كتاب “البحرين اليوم” الذي ينوي أن يبرز فيه تطور البحرين وجمالها وما بلغته من تقدم وازدهار تحت قيادة جلالة الملك حمد بن عيسي آل خليفة عاهل البلاد المفدي.

وبالإضافة الي كل هذه المواهب، يمتلك عبد الله الخان “بيت البحرين للتصوير”، وهو كنز ثمين لا يقدر بمال، حيث تحتوي هذه المؤسسة أو الأرشيف صورا لقادة البحرين العظماء الذين سطروا تاريخ المملكة منذ عهد الشيخ عيسي بن علي آل خليفة رحمه الله الي عهد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسي آل خليفة عاهل البلاد المفدي حفظه الله وأطال في عمره. فالأخ عبد الله الخان وبعد هذا العمر من العمل الجاد والمثمر في هذا المجال لا يرجو من الله سوي أن تتعاون معه الأجهزة المعنية في الدولة من أجل الحفاظ علي هذ الإرث الثمين الذي يعد كنزا حقيقيا لأي دولة لا يجب التفريط فيه أو إهماله.

والسؤال: هل من جهة أو جهات يمكنها أن تتعاون مع هذا المؤرخ الكبير؟..أم إننا بانتظار توجيهات عليا للأمر بالمحافظة علي هوية البحرين المصورة!.. فبدون تلك الجهة وتوجيهاتها لن يري “حلم الخان” النور، ولا يعلم سوي قليلون كم المرارة التي يشعر بها مؤرخ البحرين الذي أبدع في تصوير تاريخ بلاده بحب مستغلا موهبته التي حباها له المولي عز وجل، فلا يزال الأخ عبد الله عاتبا علي المسؤولين المعنيين، ويطالبهم بضرورة الحفاظ علي هذا الإرث المهم حتي لا تذهب هذه الثروة سدي ولكيلا تنسي الأجيال القادمة تاريخها وهو لدينا.. فما يقوم به – أبو يوسف – من نشاط خلال تسجيله مظاهر تطور ونماء البحرين، يعد سجلا مصورا لتعريف الأجيال المتعاقبة علي الحقب المختلفة التي مرت بها البحرين

شاعر بالصدفة..

نتابع اليوم حديثنا عن الفن، ولكننا سنخرج عن مشاهيره العظام أمثال سيدة الشرق أم كلثوم وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب،لنحكي حكاية شاعر ولد مغمورا بائسا لينتهي به شاعرا مرموقا رغم حظه الضعيف في التعليم حيث اضطرته ظروفه المعيشية الصعبة الي أن يبدأ حياته “مكوجي” الي أن قاده الحب ومن بعده الصدفة الي المجد والشهرة ومجالسة المطربين والمطربات وكبار الملحنين والشعراء في عصره. فقصة الشاعر سيد مرسي جديرة بأن تروي حقا لنخرج منها بحكمة بالغة وهي أن “لكل مجتهد نصيب”، فشاعرنا الذي كتب لشادية ونجاة ومحرم فؤاد ووردة ومها صبري وعفاف راضي تم اكتشافه بالصدفة البحتة، عندما وضع الشاعر الكبير مأمون الشناوي يده في جيب معطفه ذات ليوم لتستوقفه ورقة وما أن أخرجها وقرأها فوجئ بأنها عبارة عن كلمات رائعة تصلح أغنية عاطفية جميلة، المفاجأة أن الشناوي اجتهد في تذكر متي كتب مثل هذه الأبيات ولكنه تأكد أن هذا الأسلوب غريب عليه وليس أسلوبه فكان سؤاله لنفسه :”كيف وصلت هذه الورقة لجيب معطفه؟”. وهداه تفكيره لسؤال خادمته لتعترف بأنها تعيش قصة حب كبيرة مع المكوجي وأنه اعتاد أن يضع لها وريقات بها بعض أبيات من يكتبه من شعر في جيوب جاكتات الشاعر مأمون الشناوي، وبما أنهما – الخادمة والمكوجي – كانا متخاصمان في المرة الأخيرة فلم تبالي بتفتيش جيب الجاكت لتقع الورقة في يد مأمون الشناوي الذي استدعي سيد مرسي واستفسر منه عن الأبيات والكلمات فأكد له أنه الذي كتبها كنوع من التودد للخادمة التي يحبها.

ونحن نتحدث عن تاريخ فناني مصر، نستدل الي أي مدي كان هؤلاء عظام في تعاملاتهم، فشاعر في قامة مأمون الشناوي لم يكن يستهزأ بـ”مكوجي”أيا كان مستوي كتاباته، إلا أن هذا الشاعر الذي كتب أروع قصائد الحب لأم كلثوم وشادية ونجاة وغيرهم أصر علي أن يكون سلما لمجد وشهرة الكاتب المغمور سيد مرسي، حيث سرعان ما اتصل بالملحن الكبير محمود الشريف وصديقهما المشترك نجم الغناء في هذا الوقت “عبد الغني السيد” لتخرج للناس أغنية من أروع الأغاني المصرية وهي “علي الحلوة والمرة”، حتي أن الشاعر سيد مرسي لقبوه فيما بعد بـ”سيد مرة” تأسيا بعنوان أول أغنية اشتهر بها، فكانت الكلمات رقيقة ومعبرة وهي التي أراد أن يتودد بها لحبيبته الخادمة التي هجرته وطلب من خلالها الصلح. وتقول الكلمات: “ع الحلوه والمره .. مش كنا متعاهدين..ليه تنسى بالمره .. عشره بقالها سنين ..ع الحلوه والمره” \\ “نسيت خلاص عهدنا ونسيت ليالينا ..ونسيت كمان ودنا ونسيت أمانينا..كان املي فيك غير كده ليه تنسى ماضينا..حرام عليك كل ده شمتهّم فينا..راح تنسى كام مره ..رح تنسى كام مره وتفرح اللايمين..ع الحلوه والمره .. مش كنا متعاهدين..ليه تنسى بالمره .. عشره بقالها سنين ..ع الحلوه والمره”.

لم يتوقف جهد مأمون الشناوي مع الشاعر الجديد الي أن تم إذاعة الأغنية بالإذاعة المصرية آنذاك في اعتراف بنجاحه وأن الله يهب الموهبة لمن يشاء من خلقه. ومن بين من غنوا له من مشاهير مصر المطربة شادية في أغنية”خليك هنا خليك بلاش تفارق” التي حققت نجاحا كبيرا وقتها، وكذلك محرم فؤاد في “كله ماشي” وقال فيها “ماشى وسلمت أمرى\ضيعت يا قلبى عمرى\ علشان نلقى حبايب يستاهلو مالقيناش”.‏

كما اشتهر سيد مرسي بأسلوب جميل في سرد أغانيه ومن هنا نفذ بسهولة الي حناجر عشرات المطربين، لدرجة أن المؤرخين الموسيقيين يحكون أن بليغ حمدي قربه منه بشدة ليكتب أغاني كثيرة لوردة منها أغنية “وحشتوني” التي كانت ضمن أغاني فيلم “حكايتي مع الزمان” ثم اشتركا معا في أكثر من أغنية مثل “اسمعوني” التي حققت بها وردة نجاحا منقطع النظير..ولأغنية “وحشتوني” حكاية تستحق أن تروي وهي أن سيد مرسي كان في سيارة بليغ حمدي الذي كان يسير بلا وعي فاصطدم بسيارة أخري حتي أصيب سيد مرسي إصابة خطيرة الزمته العلاج بالمستشفي لمدة أربعة أشهر كاملة، فكتب عن افتقاده لناسه وأحبائه وعائلته فكانت “وحشتوني”. كما أن سيد مرسي هو كاتب أغنية “احضنوا الأيام” لوردة وعبر بها عن الغدر، ولم تكن عفاف راضي تغيب عنه حيث عنت له “ردوا السلام ” وهي من أروع أغانيها التي لحنها مكتشفها بليغ حمدي وهو الذي جمع هذا الثنائي الناجح – مرسي وراضي – في أكثر من عمل ومنهم أغاني فيلم “مولد يادنيا” الفيلم الوحيد لعفاف راضي وعرف فيه الجمهور ممثلة استعراضية.

ثم كتب أغان كثيرة لفايزة أحمد ومنها “خليكو شاهدين علي حبايبنا”، كما لم يكن بعيدا عن ميادة الحناوي حديثة العهد بمصر وقتذاك لتكون “وأنا اعمل ايه” بداية التعاون بينهما ثم “أول وأخر حبيب” و”فاتت سنة”.

كان الشاعر سيد مرسي صاحب العمر المديد (1887- 1995) خير من عبر بكلماته الرقيقة عن الفراق والغربة، ووصفه محبوه وعشاقه بأنه واحد من أنبل شعراء الأغنية في مصر حيث لم تغيره الشهرة والمجد والمال واستقر في مقر سكنه بحي “بولاق” الشعبي بوسط القاهرة طوال حياته حتي بعد أن ذاع صيته واشتهر واكتسب الكثير من المال.

 

كلنا مسؤول…

فى 12 أبريل 2020

شارك الموضوع