15:38 - 09 فبراير 2019

محمد السعيد يكتب..

إبان اعتزام الحكومة المصرية وقبيل حلول العام 2019 الإعلان عن نيتها بتفعيل أجرأ قراراتها، والذى يقضى بتخفيض جمارك عدد من ماركات السيارات لتصل فى بعض الأحيان إلى إلغاء الرسوم الجمركية كاملة عليها، أو ماعرف فى الأوساط المصرية “بزيرو جمارك” الأمر الذى كان له أكبر الأثر فى إنتشار هاشتاجاً لحملةٍ أطلقها نشطاء مصريون عبر مواقع التواصل الاجتماعى أسموها “خليها تصدى”، وقد وجهها أصحابها إلى محاربة الارتفاع الهائل والغير مبرر فى أسعار السيارات.

وكانت تلك الحملة قد لاقت ترحيباً واتفاقاً واسعى النطاق من قبل الشارع المصرى ، ما جعلها واقعاً ملموساً، استوجب على العديد من مؤسسات الدولة التعامل مع هذا الأمر بمزيد من الاهتمام والجدية ، وبحسب إحصائيون فإن تلك المبادرة أو “الحملة” كما يطلق عليها من قبل مروجوها قد انتشرت فى الأوساط المصرية كانتشار النار فى الهشيم، ليقترب عدد المنضمين لها منذ انطلاقتها، وخلال أقل من شهر إلى مايقارب المليون ناشط، ولايزال العدد مرشحاً
للزيادة.

وكانت تلك الحملة التى أطلقها شباب مصرى قد بدأت فى النصف الثانى من الشهر الأول من العام الجارى ، وكان الغرض الظاهرى منها محاربة الارتفاع الحاصل فى أسعار السيارات بالسوق المصرية دوناً عن غيره في السوق العالمية من حولنا، حيث أرجع المناصرون لتلك الحملة أن أحد أهم أسباب تلك الزيادة الغير مبررة هى طمع تجاراً فى جنى أرباح خيالية والتى تصل فى السيارة الواحدة من ماركات شهيرة إلى مئات الألاف من الجنيهات ، وتحدث تلك الزيادات حال قيام بضع نفر من تاجرى السيارات بفرض سيطرتهم على السوق، من خلال سياسات احتكارية، ما يمكنهم من فرض أسعار جنونية، لتحقيق أرباحاً غير منطقية، الأمر الذى من شأنه التسهيل لعمليات مشبوهة كغسيل الأموال مثلاً ، ما يفتح باباً للتهرب الضريبي .

وتأتى هذه الزيادة فى أسعار السيارات متزامنةً مع زيادة العديد من السلع فى وقتٍ يعانى فيه المواطن المصرى من شظف العيش، والذى يرجعه محللون إلى الشروط القاسية التى أملاها صندوق النقد الدولى على الحكومة المصرية، وكذا قرار البنك المركزى بتعويم الجنيه، والتى أتت ضمن عمليات الإصلاح الاقتصادى الأخيرة ، الأمر الذى حقق لكثير من التجار طفرةً فى الأرباح، وعلى رأسهم تجار السيارات والذين حققوا وبحسب اقتصاديون مكاسباً خيالية ما كانوا يحلَمون بها فى فترات سابقة.

فالأعباءُ الاقتصادية الناتجة عن الزيادة الكبيرة فى أسعار الاحتياجات الأساسية للمواطن المصرى أصبحت مرهقة له، الأمر الذى دفع صناع القرار بعدد من مؤسسات الدولة الرقابية والتنفيذية بالقيام بإجراءاتٍ عقابية على التجار الذين يثبت تورطهم فى احتكار بعض السلع أو فرض زيادات غير مبررة عليها لتحقيق أرباح سريعة ومضاعفة، مما يثقل كاهل المواطنين بأعباءٍ اقتصادية وحياتية جسام .

وتأتى حملة “خليها تصدى” من منظورى الشخصى كإحدى الحملات الشعبية التى تنم عن الوعى المتزايد الذى بدا واضحاً أثره على نمو نوعاً من فقه اقتصاد السوق لدى المستهلك المصرى، ليكون أبرز المساهمين فى محاربة مافيا التجار الذين لم يضعوا فى اعتباراتهم مايلاقيه المواطنون من جراء جشعهم، والذى بات مبالغ فيه بصورة لم تعد تطاق.

وبالرغم من أن قرار “زيرو جمارك” والذى تم تطبيقه منذ بداية العام الحالى على عدد من السيارات الأوربية دون غيرها من السيارات الغربية الأخرى، إلا أن هذا القرار قوبل برفضٍ قاطع وبمنتهى الصلف والتعنت من قبل العديد من مستوردى السيارات الذين وجدوا أن فى الإعلان لهذا القرار على الملأ لن يكون فى صالحهم، إلا إذا تم التعتيم عليه وطمس الحقائق التى تبرزُ الفائدة التى ستعود على المستهلكين منه .

ولا أجد مبرراً فى تعنت أولئك وتجبرهم هذا إلا مراعاةً لمصالحهم الشخصية وفقط وتغليبها على مصالح العامة، حيث بدأ البعض منهم فى محاولات لبث الشائعات التى تسعى لإرباك السوق، والشارع المصرى، فأصبحوا منكرون للقرار ومشجبون أومدينين لتطبيقه من عدمه، بدعوى أن فى تطبيقه آثاراً سلبية ولها تداعياتها التى ستؤثر على الاقتصاد المصرى ولا تصب فى مصلحة المواطن الذى أصبح فى كثيرٍ من الأحيان ضحية جشعهم وأطماعهم.

لتأتى حملة “خليها تصدى” والتى كان لها أكبر الآثار والنتائج وتحقيق بعض المأمول منها والمتمثل فى دحر و محاربة هذه الأفكار والشائعات المغلوطة التى روج لها أصحابها من مافيا التجار أو “حيتان السوق ” هكذا أسميهم، وأن التفاف الناس حول فكرتها وتأييدها يشير إلى أن الحملة لاقت قبولاً غير عادياً
، وكذا فإن ثمار الحملة المرجوة تمثلت أيضاً فى المثابرة التى أظهرها أعضاء حملة “خليها تصدى” والتآلف الذى أظهره المؤيدون لها، تلك العوامل أحدثت نوعاً من تراجع القوة الشرائية للسيارات، ما أجبر البعضُ من أولئك المتحكمين فى سوق السيارات إلى خلق أنواعاً من العروض الجاذبة للمستهلكين شملت العديد من أنواع وموديلات لسيارات غير أوربية أيضاً ، تمثلت
فى تخفيضات وصلت في بعض الأحيان إلى عشرات الآلاف من الجنيهات من إجمالى سعر السيارة الواحدة، ناهيك عن التسهيلات فى السداد فى حالة الأقساط، هذا بالإضافة إلى التكدس الحاصل فى أعداد السيارات من موديلات 2019،والتى امتلأت بها ساحات الموانىء المصرية، والتى يخشى وكلائها ومستوردوها من الإفراج عنها تحسباً لأى تغيرات يشهده قطاع السيارات فى مصر تفادياً للخسارة الناجمة عن الركود الذى أحدثته الحملة بفعل الوعى المتزايد لدى العامة،
والدليل على هذا الوعى ما نلمسه مؤخراً من الصيحات التي بدأت تتردد في أصداء السوشيال ميديا من حملات أخرى عديدة الهدف منها محاربة الغلاء والقضاء على “الجشع والاحتكار” الذى كان من الصعب على حكومات متعاقبة السيطرة عليه والحد منه، ليعلن الشعب المصرى بكل إصرارٍ وعزيمة تحديه لتلك المؤامرات الحاصلة ضده ، ليرفع شعار لا صوت يعلو فوق صوت الشعب، ولا إرادة تعلوها إرادة الجماهير .

فحين أصر المتضامنون مع تلك الحملات على كسر موجات الغلاء المتسارعة والحاصلة بالسوق المصرى، والذى ترتب على أثر هذا الإصرار إعلانُ العديد من حيتان تجارة السيارات أن استمرار حالة الركود الناتجة عن استمرار الحملة كلفهم خسائر يومية قدرت بعشرات الملايين من الجنيهات بحسب معلومات تداولت عبر مواقع التواصل الاجتماعى ، الأمر الذى يثير تساؤلاتٍ هامة لعل من أبرزها :

هل أدى هؤلاء الحيتان واجبهم تجاه الدولة كما يجب مثل دفع الضرائب المستحقة مثلاً؟

وهل راعيتم حقوق العمالة الكادحة فى شركاتكم بأن وفيتم مستحقاتهم المالية كاملة ؟

ولماذا كان سوق السيارات المصرى هو الأغلى سعراً عن مثيلاته فى بقية دول العالم من حولنا رغم الأحوال الاقتصادية الصعبة؟

ومتى ستعيد الدولة التفكير فى فتح ملف شركة النصر للسيارات وصناعة سيارة مصرية تناسب متطلبات السوق وبأسعار تلقى القبول؟

أسئلة تحتاج إلى إجاباتٍ مقنعة من قبل تجار السيارات والحكومة المصرية، ونواب الشعب لمعرفة الحقائق وكشف الغموض فى هذا الملف فى أسرع وقت ممكن .

شارك الموضوع